وصلتنى رسالة من الفلكى أستاذ العلوم د. أحمد عبدالهادى يقارن فيها بين الصين ومصر وكأنه يرصدنا بتلسكوبه الفلكى، أترك القراء مع انطباعاته الصادمة، يقول أستاذ الفلك:

«عدت من الصين بعد مشاركتى فى مؤتمر الاتحاد الدولى الفلكى رقم 28 خلال أغسطس، وبالصدفة كنت قبلها فى الهند لحضور مؤتمر الفضاء الدولى رقم 34 خلال يوليو وقبلها فى كوريا لحضور مؤتمر البيئة الفضائية فى يونيو.

الصين بلد أصبح من الدول الغنية خلال السنوات السابقة فقط، رغم أنها كانت من البلاد الفقيرة جداً والمرأة الصينية من أكثر النساء فى العالم حرية، لا يمكن أن تفرق بين الرجل والمرأة فى أى شىء حتى الملبس، وهى تقوم بكل الوظائف من سائق تاكسى إلى سائق قطار إلى عامل نظافة إلى وزير إلى رئيس، إلى أى شىء، الفيصل هو الكفاءة والتدريب والشهادة، ومن هنا نهض المجتمع بالرغم من أننا نصفه بأنه مجتمع غير متدين! وهى بلد شيوعى يسكنه ربع سكان العالم، وأصبح شعباً غنياً، فهذه الحكومة الشيوعية ترعى ربع سكان العالم وجعلتهم أغنياء، ويركبون أغلى السيارات وأحسن البيوت، فلها كل التحية والإجلال من كل سكان العالم، فهى التى تخدم ربع سكان العالم على الأقل وقضت على الجهل والفقر والمرض، لا بد أن تنحنى البشرية لتلك الحكومة التى تؤوى وتطعم وتعلم ربع سكان العالم، وتصنع حضارة، تخيلوا لم أرَ زبالة إطلاقاً فى الشوارع الممهدة مع طرق رائعة وحياة راقية، عكس الهند تماماً فالفقر والجوع والمرض فى كل مكان، والتكاتك التى تسد الشوارع والهاى واى، تلك التكاتك مختفية تماماً هنا فى الصين، ويوجد بدلاً منها سيارات فارهة غير موجودة بتلك الكثرة فى أوروبا، من الظاهر أن انتشار التكاتك التى حياها الرئيس مرسى يدل على انتشار الفقر والجهل.

كلما أزور أى بلد آسيوى أو أوروبى، وأتذكر منظر الشوارع والبيوت فى مصر، وأقارن وأحاول أن أجد حلاً لمنظرها القبيح، أجد أنه لا يوجد حل إلا هدم ما يعادل 80% من البيوت فى مصر خاصة القاهرة والإسكندرية وتحويلها إلى شوارع أو حدائق أو ميادين، مثلاً تجديد ميدان التحرير لوحده ممكن يكلف مليار جنيه حتى يكون نظيفاً، الإحلال والتجديد أرخص بكثير من الترميم، لا يوجد حل آخر، لأن الهمجية وعدم الرسم التخطيطى الجيد فى السنوات الخمسين الماضية، حوّلا مصر إلى دولة عشوائية. واوعى تفتكر إن مدينة نصر أو مصر الجديدة أو التجمع (الحديثة البناء) ليست عشوائية، فهى بالمقاييس العالمية عشوائية.

أكاد أفقد توازنى كلما أقارن بين شوارع وميادين مصر وبين باقى العالم، أشعر بأننا لسنا بنى آدمين زى باقى العالم، وكل همّنا هو تطبيق الشريعة، وعلى مين؟ على شعب ضايع جعان تعبان مهمل يعيش أحقر عيشة لإنسان على وجه الأرض. العالم وقف مبهوراً بنا خلال الثورة حينما وقف رجال يحرسون المتحف المصرى، أو مكتبة الإسكندرية، أو المبانى الحكومية الهامة من الغوغائيين والمجرمين الذين بدأوا فى الحرق والسرقة، خاصة لجهاز الشرطة، فرغم أنهم لم يكونوا متوازنين لحمايتهم للنظام وفقط، لكن فى النهاية كل ذلك ملك للشعب. العالم وقف مبهوراً أيضاً حين رأى شباب مصر ينظف شوارعنا وميدان التحرير بعد نهاية الثورة وسقوط رأس النظام، سمعت هذا فى كل مرة أتكلم فيها مع أجانب فى لقاء خارج مصر.

التهديدات بالحرق والتدمير قبل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة كانت مروعة، وجعلت مصر تعيش فى ظلمة قاتلة انتظاراً للسلب والنهب والتدمير من قبل الواقفين فى التحرير وتهديدهم لو لم ينجح فصيلهم، فإن مصر تكون فى خبر كان، والآن بعد نجاح هذا الفصيل بالصدفة، يتكلمون عن مصر وكأنهم يحبونها، أو يحبون شعبها.

أى نظام يحاول أن يظلم أى فصيل من شعبه بقوانين وتحت أى ذريعة أياً كانت هو نظام فاشل سوف ينتهى إلى نهايته أو نهاية تلك الدولة تماماً، ونحن فى طريقنا إلى ذلك، فهناك ظلم بيّن للمرأة بشكل فج فى التدخل فى حرية سفرها ولبسها وعملها وحرية تحركها فى الشوارع، وهناك ظلم آخر واقع على الأقباط والأطفال، والفئات غير المسلمة فى المجتمع، وسوف يؤدى إلى نهاية دولة تسمى مصر كانت موجودة منذ 7 آلاف سنة وآن لها على يد ساكنى تلك الأرض أن يقضوا عليها أحياناً باسم العسكر وأحياناً باسم الدين» .